تقع مدينة اللاذقية السّوريّة على شاطئ البحر الأبيض المتوسّط الشمالي الشرقي في شمال غرب سوريا، مُقابل أقصى طَرَف قبرص. كانت قديمًا مرفًأَ مهمًّا، وهي الآن ميناء رئيسِيّ للجمهوريّة العربية السّورية.
ولمّا كانت اللاذقية مسرحًا للحروب الطاحنة والغزوات السالفة والمخربة من قِبَل شعوبٍ كثيرةٍ وتعرّضها للزلازل العديدة..، كلّ هذا أثّر في اندثار آثارها. فلا عجب أن لا نرى فيها أيّة آثارٍ أكانت مدنيّة أم دينيةً مهمةً. فلم يتبقّ شيء يُذكَر من سور المدينة ومن مبانيها وشوارعها وأحيائها القديمة. فمن الآثار الباقية المسرح الكبير الذي لا يَظهر منه إلاّ أطراف متناثرة هنا وهناك، إضافةً إلى قبّة قوس النّصر اليونانية والأعمدة الأربعة التّي شُيِّدَت تكريمًا للإمبراطور سبتيموس ساميروس الرّوماني.
في العهد الفينيقي الذي يعود إلى القرن الثاني عشر ق.م أُطلِقَ على مدينة اللاّذقية إسم "أمانثا"؛ وقيل إنّها "راماثا" و"راميتا" أي "المُرتفعة". فكلمة اللاذقية بالذّال المُعجمة مكسورة، وقاف مكسورة وياء مشدودة ثم هاء في الآخر معناها مدينة عتيقة جدًا. وأطلق عليها "فيلون" إسم "راماواثوس" ومعناها "الإله السّامي". وجاءت تسميتها بـ"الشاطئ الأبيض"، وسمّاها القائد اليوناني "سلوقس نيكاتور"، مُجدّد بنائها، "لاوذيقيا" أو "لاوذيسيا" نسبةً إلى والدته، علمًا أنّ مُدُنًا كثيرةً أخذت هذا الإسم.
وتمييزًا لها عن بقيّة المُُدُن، سُمّيَت بـ"لاذقية البحر" أو "لاذقية الشّام". وشرّفها يوليوس قيصر بإسم "جوليا"، ودعاها الإمبراطور الرّوماني "سبتيموس ساديروس" سيبتيما السّافرية، وأطلق عليها العرب إسم "لاذقية العرب" ووصفوها بعروس السّاحل.
بما أنّ تسمية المدينة تعود إلى القرن الثّاني عشر ق.م أيّام الفينيقييّن، فهذا دليلٌ على قِدَم بناء المدينة. ولكن مُجدّد بناؤها هو الحاكم "سلومش نيكاتور" ما بين 312 و281 ق.م، وكان ذلك في السّنة الثالثة من موت الإسكندر المقدوني. ولكن أغلب المصادر العربية أجمَعت على أنّ بانيها هو الحاكم "سلوقس". وهناك أسطورةٌ لبنائها، مفادها أنّه عندما عزم سلوقس على بناء المدينة، توجّه إلى معبد الإله زوس وقدّم له القرابين، سائلاً إيّاه أن يهديه إلى المكان المناسب لبناء المدينة. وفيما هو غارقٌ في ابتهالاته وتضرّعاته، حطّ على المذبح نسرٌ ضخمٌ واختطف قسمًَا من الذّبيحة وطار بها. فانزعج سلوقس وجرى وراء النّسر فقاده المسير إلى صخرةٍ مرتفعةٍ تُشرف على البحر. وهناك برز له خنزيرٌ بريٌّ فهاجمه، فانشغل سلوقس عن ملاحقة النّسر بالتّصدي للخنزير فقتله. ففهم سلوقس أن مشيئة الإله زوس بأن يبني المدينة في هذا المكان. فأمر رجاله بأن يخطّوا بدمّ الخنزير موضع أسوار المدينة، ثم فوق جثّته أقيمت أوّل بناياته وأُطلِقَ على المدينة الجديدة إسم والدته "لاوذيسية". ولكي تحظى المدينة ببركة الآلهة، قدّم لها قربانًا فتاة حسناء تُدعى "أغاني"، ثم أمر بأن يُنصَب تمثالٌ للفتاة ليجلب السّعادة إلى المدينة.
إنّ ندرة المُكتشفات الأثريّة التي تعود للعصور الحجرية و التاريخية في المدينة لا يعني أنّ مدينة اللاذقية حديثة العهد. لكن مدينة اللاّذقية قديمةٌ وهذا ما دلّ عليه معنى اسمها: "عتيقة جدًا". ووُرِوَد اسمها في العهد الفينيقي بـ"أمانثا". وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على قِدَم المدينة. ناهيك بذلك وجود المواقع الأثرية المجاورة لمدينة اللاذقية، مثل رأس ابن هاني الذي يبعد عن اللاّذقية 11كم والميناء البيضاء الذي يبعد 13كم شمالي اللاذقية وأوغاريت رأس شمرا التي تبعد 16كم عن اللاّذقية والتي بُنِيَت في الألف الثاني ق.م، وهي المدينة التي أعطت العالم أبجديته المعروفة بالأبجدية الأوغاريتيّة. وبالإضافة إلى ذلك، وُجِدَ في أوغاريت أوّلُ لحنٍ مُدوّن يعود للألف الثّانية ق.م.
يبعد موقع رأس البسيط عن المدينة ثمانية كيلومتراتٍ. وكان قديمًا مرفأًَ محصّنًا وقاعدةً يستعدّ فيها المُهاجمون لشنّ الحروب. وهناك أيضًا موقع مار الياس الذي يُعتَبَر حصنًا لمدينة اللاّذقية. وهذا يُشير أن مدينة اللاذقية قديمةٌ جدًا.
عندما احتلّ الإسكندر المقدوني سورية على اثر معركة إيسوس، وقعت مدينة اللاذقية تحت الحكم المقدوني. وبعد موت الإسكندر آلت سورية إلى حكم السلوقيين نسبةً إلى سلوقس اليوناني الذي يُعزى له بناء مدينة اللاذقية. وعُدَّت مدينة اللاّذقية واحدة من المقاطعات الأربع التي اعتبرها السّلوقيون مركز سورية العليا. فتأثّرت هذه المدينة بالحضارة الهلنستية.
احتل الرّومان سورية على يد القائد "بومبيّ"، واستولوا على مدينة اللاذقية سنة 31ق.م. وأقام الإمبراطور أوكتافيوس أغسطس 27 ق.م/14م في المدينة موكب النصر وبنى فيها أبنيةً مختلفةً.
في عام 193م في عهد الإمبراطور سبتيموس ساويروس، نالَت اللاّذقية كل الإمتيازات التي كانت قبلاً لإنطاكية، فدعاها سبتيما "السّافرية" ومنحَ أهلها شرف الإنتساب إليه فصاروا يُدعون "سبتيمييّن" وشُيِّدَ قوس النّصر في اللاّذقية الباقية آثاره حتّى اليوم.
وفي عام 330م انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: شرقية وغربية، فتبعت اللاّذقية الإمبراطورية البيزنطية الشّرقية.
وصلت المسيحية إلى اللاذقية في مطلع تاريخها، على يد المُبشّرين الأوّلين. فقيل إنّ الرسول لوقيوس اللاّذقي كان أوّل أسقف عليها في القرن الأول الميلادي.
ثمّ جاء الإسلام، فتمّ فتح اللاذقية في سنة 637م على يد القائد عبادة بن الصامت، وضُمّت المدينة إلى أجناد حمص. ولكن هناك فترة من تاريخ اللاذقية غارقة في الظلام، هي الفترة المُمتدّة ما بين637م و863م، لا يُعرَف عن اللاذقية إلاّ النّذر اليسير. ففي سنة 718م في عهد الخليفة الأموي عُمَر بن عبد العزيز، تعرّضت المدينة إلى هجومٍ من قِبَل الروم، فهدموها فأمر الخليفة بإعادة بنائها وتحصينها في سنة778م.
في سنة 809م، تعرذضت المدينة لزلزالٍ عنيفٍ فلم يبق باللاّذقية منزلٌ إلاّ وهُدِمَ فوق أصحابه، ولم ينج إلاّ القليل.
وفي سنة 1339م، زار ابن بطوطة اللاّذقية، وكان أهمّ ما لفته دير الفاروس والميناء. فقال عن الدّير إنّه أعظم دير بالشّام يسكنه الرّهبان ويقصده النصارى من الآفاق.
وفي سنة 1606م، انتقل لواء اللاّذقية لحكم فخر الدين المعني، ولكن في عام 1717م أغار القراصنة على لواء اللاذقية وأسروا عددًا من أهلها وباعوهم في الجزائر.
ثمّ آلت اللاذقية في عام 1831م للحكم المصري إبان حكم ابراهيم باشا على بلاد الشام، فأظهر اهتمامًا كبيرًا بأمر المدينة واتّخذها قاعدةً لعساكره. وبعد انسحاب الجيش المصري من بلاد الشام، عاد لواء اللاذقية للحكم العثماني.
اشتركت اللاّذقية مع بقية المناطق السورية بالثّورة على العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى، ورحّبت، هي وتلك المناطق، بحكم الملك فيصل الذي لم يدم طويلاً. وعندما قامت الدولة الفرنسية المُنتدبة على سورية ولبنان، جعلت من اللاذقية عاصمةً لدولةٍ علويّةٍ قامت على الساحل السّوري. ولكن هذا الأمر لم يدم، وعادت اللاذقية إلى حُضن الدولة السورية الواحدة.
من أهمّ آثار اللاذقية قلعة صلاح الدّين التي تمتلك أهمية استراتيجيّة بسبب موقعها. وقد تمّ بناؤها في عهد الغزوات الصّليبية، ووُصِفَت بأنّها أكثر القلاع مناعةً وقوّةً في الشّرق.. وعظمتُها أنّها تقوم على صخرةٍ شاهقةٍ ملساء الحواف، ليس لها سوى ممرّ صخري واحد فقط فوق الخندق الطّبيعي المحفور في الصّخور، والوحيد الذي استطاع السيطرة عليها هو صلاح الدين. لذلك سُمّيَت القلعة بإسمه.
أمّا المناطق السياحية التّابعة لها فهي:
- "صلنفة" التي تبعد 50كم إلى الشّرق عن مدينة اللاذقية، وترتفع عن سطح البحر 1200م وتُعَدّ من أجمل المَصايف السياحية في سورية.
- "كسب" التي تبعد 65كم شمال مدينة اللاذقية، وترتفع عن سطح البحر 800م.
- "سلمى" التي تبعد عن صلنفة 12كم وترتفع عن سطح البحر